هل سبق لك أن واجهت اعتراضات غير متوقعة وعلى حين غرّة في أحد الاجتماعات؟

هل سبق لك أن واجهت اعتراضات غير متوقعة وعلى حين غرّة في أحد الاجتماعات؟
 
 
 
هل سبق لك أن واجهت اعتراضات غير متوقعة وعلى حين غرّة في أحد الاجتماعات؟ كنت قد استعدّيت للاجتماع جيّداً. والأهداف كانت واضحة. ولكن خلال الاجتماع يحصل التصادم. حيث يعترض شخص ما على أحد افتراضاتك في منتصف الاجتماع تقريباً وينضمّ الآخرون إلى صفوف المعترضين. تحاول أن تشرح منطقك، لكن لا أحد يحاول أن يدافع عنك. ويتحوّل الآخرون إلى صفوف المعترضين وتشعر وكأنك قابع تحت كومة من اللاعبين الذين تجمّعوا فوقك كما يحصل في لعبة الركبي. يبدو الأمر وكأن الفوضى والعبث قد باتا يسيطران على الموقف، واجتماعك على وشك الانتهاء دون اتخاذ قرارات واضحة. يحاول المدراء التنفيذيون في حالات كثيرة التقليل من احتمال حصول هذا الأمر إلى الحدّ الأدنى، من خلال تحويل الاجتماعات إلى مناسبات تتمّ الموافقة فيها بصورة تلقائية على القرارات المتّخذة سلفاً مع عدم وجود إمكانية لمناقشتها. لكن ذلك خطأ فادح. فقمع الاختلافات في الآراء يجعلك أقل قدرة على التكيّف، ويجعل اجتماعك مُملاً ومضيعة للوقت. وعوضاً عن ذلك، أنت يجب أن تكون منفتحاً ومستعدّاً للتعامل مع الاختلافات في الآراء، أو الاعتراضات الواردة من أشخاص في مراتب مختلفة في الشركة، أو حتّى لمواجهة تمرّد واضح وصريح. فالتنوّع في الآراء يحصل عندما يقترح شخص أو أكثر طريقة مختلفة للنظر إلى الوضع. أمّا الاعتراض فيأتي عندما يكون هناك عدم اتفاق مع موقف أو مقترح معيّن. أمّا التمرّد فيحصل عندما يعلن تحالف مهيمن أو قوّة ضخمة الحجم عن معارضتهم لحقّك بأن تكون قائداً للفريق، أو يعترض على ذلك الحق. ورغم أن هذه الأمور الثلاثة مختلفة تماماً، إلا أنها مترابطة (فالاختلاف في الآراء يمكن أن يتدهور سريعاً ليتحوّل إلى تمرّد، على سبيل المثال) وقد تشعر بأنّك محاصر بغضّ النظر عن أي واحد من هذه الأمور يحصل معك. أفضل نصيحة يمكنني أن أوجّهها بخصوص كيفية التعامل مع هذه الأوضاع هي النصيحة التي تعلّمتها من مُدرَّسة في روضة للأطفال هي في الحقيقة ليست سوى زوجتي. فقد أوضحت لي بأنه عندما يضوج الأطفال الصغار في الصف ويشعرون بالإثارة وتدبّ الفوضى في صفوفهم، في حين ينفجر آخرون في حالة من الهيجان العاطفي، فإن الشيء الوحيد الذي يجب فعله هو تشتيت انتباههم. فالطلب إليهم بالتزام الهدوء لا يجدي نفعاً. ومطالبتهم بإعادة النظر في موقفهم لا تجدي أيضاً. ولعلّك قد خبرت أنت شخصياً دوامة مشابهة من العدوى العاطفية في قاعة أحد المطارات عندما اكتشفت بأن رحلتك قد تأجّلت ثلاث ساعات إضافية، أو في مناسبة رياضية عندما يندلع شجار في الميدان ينضمّ إليه المشجّعون. لكن في مثل هذه الأوضاع المحمومة، كيف تشتّت اهتمام الناس بطريقة تكون مفيدة، ودون أن تعاملهم وكأنهم أطفال في روضة؟ أو دون أن تظهر بمظهر الشخص الذي يتلاعب بهم؟ في اللحظة التي تشعر فيها بأنك محاصر، عد إلى الأساسيات – تحدّث عن الرؤية أو الهدف الأساسي للمؤسسة أو المجموعة التي تقودها. فالدراسات التجريبية في علم النفس تظهر وبالدليل العملي بأن الرؤية المشتركة تؤدّي دوراً رئيسياً في زيادة فعالية القيادة، وفي التفاعل، والمواطنة – فهي تفعّل الشبكات العصبية والأنظمة الهرمونية التي تساعدنا في الانفتاح، وتقبّل أفكار جديدة، واستيعاب آراء الآخرين. على سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي أجريتها مع إدوارد ماهو وسكوت تايلور، أظهرنا بأن أعضاء الفرق العاملة في المجال المعرفي (نصفهم من شركات استشارية ونصفهم الآخر من قسم الأبحاث والتطوير في إحدى الشركات الصناعية) كانوا أكثر تفاعلاً، إذا كان أعضاء الفريق يمتلكون كفاءات في مجال الذكاء العاطفي (وفقاً لتقويم الأعضاء الآخرين في الفريق، وليس بحسب تقويمهم الذاتي لأنفسهم). ولكن عندما كان أعضاء الفريق يظهرون درجة عالية من الرؤية المشتركة في فريقهم، فإن علامات التفاعل هذه تسجّل قفزة هائلة. وفي دراسة أخرى، أظهرت جوانا تشين بأن احتمال النظر إلى الأطباء بوصفهم قادة فعّالين كان يزداد عندما كانوا يُظهرون درجة أعلى من الرؤية المشتركة في علاقاتهم ضمن المستشفى. فما هو التطبيق العملي لكلّ ذلك؟ هذا يعني ببساطة بأنك لن تكون قادراً على تهدئة هذا النوع من ردود الأفعال الغريبة الصادرة عن أعضاء الفريق باستعمال المنطق الخالي من العواطف. بل هذا يجعل الأمور أكثر سوءاً! عوضاً عن ذلك، أنت تحتاج بصورة أساسية إلى أن تنوس بين المنطق والعاطفة، بحيث تشجّعهم هم أيضاً على فعل الشيء ذاته. وبالتحديد، في حمأة اللحظة وفي ذروة الحدث أنت بحاجة إلى فعل ذلك. فنحن نعلم لماذا يحصل هذا الأمر عندما ننظر إلى الشبكتين العصبيتين الرئيسيتين اللتين نستعملهما في العمل (وخلال معظم ساعات يومنا أثناء صحونا). فقد أظهر عالم الأعصاب المختص بالإدراك طوني جاك وزملاءه بأن “شبكة التركيز على المهام” وتعرف بالإنكليزية باسم (Task Positive Network (TPN)) – وهي عبارة عن شبكة من المناطق الدماغية التي تتجاوب مع المهام التي تحتاج إلى انتباه وتظهر في الدراسات التي تعتمد على تصوير الدماغ – هي الشبكة التي تمكّننا من التركيز، وحل المشاكل، والقيام بأعمال تحليلية باستعمال الأرقام والمفاهيم المجرّدة، في حين أن “شبكة الوتيرة الطبيعية”، وتعرف بالإنكليزية باسم (Default Mode Network (DMN)) – وهي شبكة من المناطق الدماغية التي تنشط عندما لا نركّز على مهام مجرّدة – تمكّننا من الانفتاح على أفكار جديدة وعلى أناس جدد، وعلى القضايا الأخلاقية التي تشغل بالنا. لكن المعضلة تكمن في أن هاتين الشبكتين تعملان بصورة متعاكسة. فالتركيز على المقاييس والأمور المالية يمنع الشخص من أخذ الأفكار الجديدة بعين الاعتبار، ومن رؤية الآخرين، ومن دراسة أمر معيّن للتأكّد ما إذا كان عادلاً أو منصفاً. وقد أظهر العديد من دراساتي ودراسات طوني القائمة على استعمال جهاز التصوير الطبقي المحوري بأن تفكير المرء بحلمه المستقبلي – أي برؤيته – ومن ثم مناقشة تلك الرؤية مع الآخرين تفعّل الشبكة الثانية أي “شبكة الوتيرة الطبيعية”. فإذا علقنا في “شبكة التركيز على المهام”، فإننا على الأرجح سوف نحلل الوضع تحليلاً مجرّداً، الأمر الذي يقودنا إلى استجابة أكثر دفاعية وانغلاقاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المبادئ الأساسية للحياة, والقيم التي تصنع واقع الإنسان.

ادارة الموارد البشرية الدولية